حينما يُذكر اسم «الزامل» فأنت أمام أسرة نجدية عريقة، ليس لأنها صاحبة تاريخ ريادي حافل في الصناعة والتجارة في أكثر من مكان، ولاسيما في السعودية (وطن الميلاد والنشأة)، والبحرين (وطن الهجرة وبدايات الانطلاق)، وليس لأنها أسست علاقات متشعبة منذ القدم مع تجار الخليج والشام والهند قبل أن تتصل بالمؤسسات الصناعية والتجارية العملاقة في أوروبا وأمريكا، وإنما لأنها باختصار شديد تجسد سيرة كفاح وعطاء وعلم معززة بمجموعة من القيم الأصيلة.
يشهد على هذا، البدايات التجارية المتواضعة لرب الأسرة في البحرين التي تطورت بالسهر والكفاح من دكان صغير بالمنامة إلى مجموعة سعودية عملاقة تمارس أنشطة صناعية وتجارية متنوعة في 55 بلدا، ويعمل بها نحو 10 آلاف موظف. ويشهد عليه حرص الأبناء والأحفاد على النهل من المعارف الحديثة والحصول على أعلى الشهادات من أشهر الجامعات الأجنبية. ويشهد عليه أيضا التزام الأسرة وأفرادها بأعمال الخير والبر، ناهيك عن إلزام أنفسهم بالمشاركة الفعالة في تنمية الوطن وازدهاره.
يخبرنا عبدالعزيز عبدالله الحمد الزامل وزير الصناعة والكهرباء السعودي السابق (ص 22 من كتابه «بناء صناعة البتروكيماويات في المملكة العربية السعودية.. إنجاز وطن») إن جده «حمد عبدالله الزامل» كان تاجرا ومزارعا ومن الشخصيات الاجتماعية والدينية المعروفة في عنيزة، وأنه تزوج من ابنة «علي السليم»، إحدى نساء عنيزة النبيهات الحافظات للقرآن، فأنجبت له عددا من البنين والبنات كان من بينهم ابنه البكر عبدالله (والد المؤلف) المولود سنة 1900، والذي عُرف منذ صغره بالذكاء وحب العلم والمغامرة، وهو ما قاده إلى تعلم القراءة والكتابة سريعا، بل قادته طموحاته في اكتساب الرزق والمعارف إلى الانتقال سنة 1918 إلى شرق السعودية بصحبة عدد من أصدقائه، فوصل إلى الجبيل من بعد رحلة شاقة على ظهور الإبل دامت 18 يوما وفي جيبه 40 ريالا فرنسيا فقط منحتها إياه أخته.
بعد فترة قضاها عبدالله في الجبيل والهفوف استثمر خلالها ما تبقى لديه من ريالات في تجارة المواد الغذائية والأقمشة، قرر الانتقال إلى البحرين بعدما سمع من أصدقاء له سبقوه في الهجرة من نجد إلى هناك عما تموج به البحرين من فرص تجارية وعمن يقيم بها من عائلات نجدية مرموقة. وهكذا استقل عبدالله سنة 1923 قاربا من ميناء العقير باتجاه فرضة المنامة فوصل البحرين، التي كانت وقتها مركزا نشطا للإتجار باللؤلؤ والاستيراد من الشرق والغرب وإعادة التصدير إلى الدول المجاورة، ونزل ابتداء في منزل أحد تجار البحرين النجديين (عبدالعزيز العلي البسام). وسرعان ما تمكن من التأقلم مع أجواء البحرين الاجتماعية الغريبة عليه، كما استطاع سريعا بناء علاقات صداقة وعمل مع رموز العائلات التجارية الكبيرة في البحرين آنذاك مثل القصيبي والبسام والذكير والقاضي والروق والخنيني والسحيمي والعجاجي والسويلم وكانو والمؤيد والزياني والمحمود والكوهجي وغيرهم، علاوة على صلات ود وتعارف مع الشيوخ من آل خليفة الكرام، فأضاف الرجل بذلك أسماء جديدة إلى دائرة علاقاته وصلاته مع الأمراء من آل سعود وآل جلوي، وتجار الأحساء ودبي وقطر. يخبرنا بشار الحادي (ص 282 من الجزء الثالث من كتابه «أعيان البحرين في القرن 14 الهجري») أن عبدالله مارس في البحرين تجارة المواد الغذائية، وتجارة الملابس كالغتر وغيرها حيث كان يسافر بنفسه إلى بلاد الشام لاستيرادها بالجملة ثم توزيعها على صغار تجار البحرين. كما يخبرنا في ص 283 عن ظروف شراكته مع التاجر النجدي حمد سليمان الروق، وكيف أنهما قررا الانفصال بعد سنوات بسبب اختلاف فلسفتهما وطباعهما لجهة الإسراع أو التروي في اقتناص الفرص التجارية. إذ بدأ عبدالله في حدود عام 1930 مشروعه الخاص في استيراد وبيع الشاي والأرز والقمح من الهند والعراق والملابس من سورية. كما تطرق الحادي بإسهاب إلى الأنشطة التي انخرط بها عبدالله في البحرين والسعودية. فذكر أنه دخل المجال العقاري عبر شراء قطع من الأراضي بالقرب من باب البحرين وبناء دكاكين عليها للتأجير، ثم عبر ترميم العقارات القديمة لصالح بلدية المنامة أو لصالح دائرة الأوقاف مقابل الانتفاع بها لمدة زمنية محددة؛ وأنه نشط في الارتقاء بالعمل التجاري في البحرين عبر المشاركة في أنشطة غرفة تجارة وصناعة البحرين التي نال عضويتها سنة 1949. إلى ذلك كان عبدالله دائم المشاركة في التبرعات التي تستهدف العمل الوطني. فقد تبرع لمشروع تجديد مبنى نادي البحرين الثقافي والرياضي بالمحرق، ودعم بالمال حملة في عام 1939 لصالح أيتام وأرامل فلسطين، وتبرع للحركة الأدبية الثقافية من خلال رصد مبلغ لصالح إنجاز مسرحيتي «أبو عبدالله الصغير» و«كليوباترا» في 1943، وساهم بمبلغ 100 ألف روبية في حملة جمع المال لشراء طائرة مقاتلة لصالح الحلفاء في 1943 بُعيد غارات الطائرات الإيطالية على مصافي النفط البحرينية في 1940. وعلى المنوال نفسه كان عبدالله سخيا في التبرع لأهل عنيزة، إذ تبرع بملايين الريالات للمشاريع الخيرية والإنسانية والتعليمية فيها. يقول عبدالعزيز عبدالله الزامل (ص 27 من كتابه المشار اليه) أن والده فضل الاستقرار في البحرين بسبب الإمكانات التي توفرها للحياة العائلية والتعليم والتجارة، لكن ذلك لم يمنعه من التردد المستمر على السعودية. فعلى سبيل المثال تحمس عبدالله للاستثمار مبكرا في وطنه الأم، وتحديدا بعيد تدفق النفط وقيام الدولة السعودية بهياكلها الإدارية الحديثة. وفي هذا السياق كتب عبدالعزيز في ص 33 من كتابه: «عام 1953 استورد والدي حمولة حديد للبناء، غير مدرك أنه في حاجة إلى معالجتها، وكانت الحمولة ضخمة، وهو ما كلفه أموالا طائلة، ولم يكن بمقدوره أن يبيعها كما كانت؛ لذلك استورد الأدوات اللازمة لتجهيز القضبان ومعالجتها فاقحمته هذه التجربة في مجال جديد عن طريق المصادفة، وانتهى به الأمر إلى بناء أول مصنع لتعديل الصلب وقصه في المملكة».
لم يكن هذا هو الاستثمار الوحيد لعبدالله الزامل في وطنه. إذ أدرك بحدسه مبكرا حاجة مدن النفط الجديدة في المنطقة الشرقية إلى المباني العالية الحديثة المكونة من شقق ومكاتب، وهي تزدهر وتتوسع بفضل مداخيل النفط ومشاريع شركة أرامكو، فأقدم على مغامرة جديدة تمثلت في الاستحواذ على قطعة أرض كبيرة في موقع إستراتيجي بمدينة الخبر. وفوق هذه الأرض انتهى سنة 1959 من إقامة عمارة بسبعة طوابق و48 شقة كانت آنذاك من أكبر عمارات المدينة وأعلاها.
تجارة آمنت بـ«العلم» سبيلاً إلى النجاح
لم يتخل عبدالعزيز عن فكرة دراسة الطب، فذهب لاحقا إلى الولايات المتحدة على نفقة الدولة، إذ وصل إليها سنة 1963 للالتحاق بجامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجليس. وكانت دراسته التمهيدية في بريطانيا وإجادته للغة الإنجليزية عاملين مساعدين في قبوله، لكنه أدرك أن عليه قضاء سنوات عدة جامعية تمهيدية قبل دراسة الطب وسنوات عدة أخرى بعد دخول الكلية ومثلها في التدريب بالمستشفيات. هنا فقط تخلى الرجل عن حلمه في أن يصبح طبيبا واتجه إلى دراسة تخصص جديد كانت بلاده في حاجة إليه، وهي تسابق الزمن في التطور والتصنيع والتنمية. ولم يكن التخصص الجديد سوى «الهندسة الصناعية» التي أنهاها في أربع سنوات وألحقها بنيل درجة الماجستير أيضا. يقول عبدالعزيز عن هذه المرحلة المفصلية في حياته إنه كان يسكن في السكن الطلابي التابع لجامعته، وحينما جاء أخوه حمد في عام 1964 إلى كاليفورنيا للحصول على بكالوريوس إدارة الأعمال من الجامعة نفسها انتقلا للسكن في شقة صغيرة، ثم انتقل الأخوان إلى شقة أكبر حينما وصل الأخ الثالث عبدالرحمن إلى كاليفورنيا قادما من القاهرة للحصول على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية، فإلى شقة أكبر مساحة في أعقاب وصول الأخ الرابع أحمد لنيل بكالوريوس إدارة الأعمال من كلية سان خوزيه بكاليفورنيا، فإلى منزل مدهون باللون الأبيض فأطلقوا عليه «البيت الأبيض»، وذلك حينما التحق بهم أخ خامس.
لقد كانت تجربة عبدالعزيز، وكذا إخوانه، في الولايات المتحدة تجربة ثرية ساعدتهم فيما بعد على اقتحام ميادين الأعمال العامة والخاصة بثقة وخبرة مستمدة من الحياة الأمريكية الرحبة المنفتحة، ومن التفاعل مع جنسيات أجنبية كثيرة في رحاب الجامعة، ومن الأنشطة اللامنهجية في الجامعة (المشاركة في أنشطة رابطة الطلاب العرب والفرق الرياضية المتنوعة مثلا).
ويكفي المرء، كي يقتنع بذلك، أن يطلع على سير الأخوة من آل زامل (أبناء عبدالله الحمد الزامل) الذين بسبب تجمعهم مع أبناء عمومتهم في الولايات المتحدة قيل في وقت من الأوقات «إن في أمريكا ثلاث أقليات هي: الزنوج والهنود والزامل». فبعيدا عن الأخ الأكبر محمد (توفي بألمانيا في 2009) الذي ضحى بالتحصيل الجامعي من أجل مساعدة والده في أعماله ومساعدة إخوته في إكمال تعليمهم، فأوصل شركة عائلته إلى مكانة عالمية ولمع اسمه في دنيا المال والأعمال كرئيس لمجلس إدارة مجموعة شركات الزامل، وعضو في مجلس إدارة بنكي انفستكورب وآركابيتا، وعضو في مجلس إدارة الشركة السعودية للأسمنت، وحاصل على وسام الشيخ عيسى بن سلمان لعام 2001 تقديرا لمساهماته في الاقتصاد البحريني، هناك:
1 ـ عبدالرحمن الزامل: حاصل على بكالوريوس القانون من جامعة القاهرة ودكتوراه العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا (USC). عمل أستاذا مساعدا بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ومحافظا للمؤسسة العامة للكهرباء، ووكيلا لوزارة التجارة (لمدة 15 سنة)، وعضوا في مجلس الشورى السعودي. تولى مناصب منها: رئيس مجلس إدارة شركة الزامل للاستثمار الصناعي ومجموعة الزامل وشركة الصحراء للبتروكيماويات، رئيس مركز تنمية الصادرات السعودية، نائب أول لرئيس اتحاد غرف مجلس التعاون.
2 ـ حمد الزامل: حاصل على بكالوريوس إدارة الأعمال من USC ودرجة الماجستير في الصحة العامة من جامعة بيروت الأمريكية، علاوة على الدكتوراه الفخرية من إيطاليا. شغل مناصب منها: رئيس مجلس الغرف السعودية وغرفة تجارة وصناعة المنطقة الشرقية، مدير مستشفى الدمام المركزي، عضو مجلس إدارة البنك السعودي البحريني، وشركة تهامة للإعلان، والمؤسسة العامة للخطوط السعودية.
3 ـ عبدالعزيز الزامل: حاصل على بكالوريوس ومجاستير الهندسة الصناعية من USC ووسام الملك عبدالعزيز. تولى مناصب منها: نائب رئيس مجلس إدارة شركة سابك وعضوها المنتدب، وزير الصناعة والكهرباء، رئيس مجلس إدارة مصرف الإنماء، عضو مجلس إدارة شركة ألمنيوم البحرين.
4 ـ زامل الزامل: حاصل على بكالوريوس الهندسة من USC وماجستير هندسة البترول من جامعة غرب فرجينيا WVU، تولى مناصب منها: رئيس شركة الزامل للصيانة والتشغيل المحدودة، عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية للمنطقة الشرقية.
5 ـ أحمد الزامل: حاصل على بكالوريوس إدارة الأعمال من كلية سان خوزيه. تولى مناصب منها: رئيس مصنع الزامل للمكيفات، رئيس مجلس إدارة شركة بطاقات البلاستيك المحدودة، رئيس نادي القادسية بالخبر، عضو مجلس إدارة بنك الخليج الدولي.
6 ـ سليمان الزامل: حاصل على بكالوريوس إدارة الأعمال من الولايات المتحدة. شغل مناصب منها: عضو مجلس إدارة شركة الزامل للحديد (فرع مصر)، رئيس مصنع الزامل للسلالم وشركة الخليج العربي للإنشاءات المحدودة، رئيس مجلس إدارة غرفة المنطقة الشرقية.
7 ـ خالد الزامل: حاصل على بكالوريوس الهندسة المدنية من USC. شغل مناصب منها: رئيس مجلس إدارة شركة الشرق الأوسط للبطاريات، عضو مجلس إدارة دار اليوم للصحافة والنشر، عضو مجلس إدارة بنك آسيا الإسلامي بسنغافورة، مسؤول التخطيط الإستراتيجي وتطوير الأعمال في مجموعة الزامل.
8 ـ فهد الزامل: حاصل على بكالوريوس إدارة الأعمال الصناعية من WVU. شغل مناصب منها: رئيس شركة الزامل للصناعات الغذائية المحدودة، العضو المنتدب بشركة الصحراء للبتروكيماويات، مدير وعضو مجلس إدارة الشركة الوطنية للطاقة.
9 ـ أديب الزامل: حاصل على بكالوريوس إدارة الأعمال من جامعة بورتلاند الأمريكية. تولى مناصب منها: عضو مجلس إدارة بنك البلاد ومجلس إدارة الشركة المتحدة لصناعة الكرتون المحدودة، رئيس مجلس إدارة شركة جدوى للاستثمار.
10 ـ وليد الزامل: حاصل على بكالوريوس إدارة الأعمال من WVU. تولى مناصب منها: عضو مجلس إدارة الزامل للسفريات، رئيس شركة الزامل للطلاء الصناعي، عضو مجلس مؤسسي الجامعة الملكية للبنات بالبحرين، رئيس مجلس إدارة مركز المحرق للرعاية الإجتماعية.
11 ـ توفيق الزامل: حاصل على بكالوريوس الآداب من WVU. تولى مناصب منها: رئيس مجلس إدارة شركة موريس الشرق للرافعات، المدير التنفيذي لشركة الزامل للبلاستيك.
كيف صمدت تجارة عبدالله بعد وفاته؟
عهد عبدالله إلى ابنه البكر محمد بالكثير من مسؤوليات الشركة العائلية التي أنشأها. إذ أراده ساعدا أيمن له في أعماله في البحرين والسعودية، خصوصا أن عبدالله كان في الستين من عمره ويعاني مشكلات في كليتيه. لذا طلب منه أن يتخلى عن فكرة إتمام تعليمه الجامعي كي يبقى معه ويتعلم أصول التجارة والمحاسبة والمالية. وهكذا انتقل محمد عبدالله الزامل إلى الخبر لإدارة مشاريع أبيه الاستثمارية، فيما كان إخوانه الأصغر سنا بقليل يستعدون لإكمال تعليمهم الجامعي بتشجيع من والدهم الذي كان يدرك أهمية التعليم وضرورته للمستقبل. فمثلا عبدالعزيز عبدالله الزامل (الوزير لاحقا) درس الثانوية في البحرين وكان زميلا للدكتور غازي القصيبي ووزير الإعلام البحريني السابق طارق المؤيد والمفكر الدكتور محمد جابر الأنصاري. وبعد تخرجه درس السنة المؤهلة لدخول الجامعة في الكويت، ثم سافر مع أخيه عبدالرحمن سنة 1959 إلى القاهرة للالتحاق بجامعتها الشهيرة. وعلى حين حصل عبدالرحمن على القبول في كلية الحقوق، لم يحصل عبدالعزيز على القبول في كلية الطب بسبب معدله التراكمي. هنا خيرته الجامعة المصرية ما بين دراسة الزراعة أو إدارة الأعمال، فقبل الأخيرة على مضض، لكنه بعد مرور بضعة أشهر، قرر عدم الاستمرار، والذهاب إلى بريطانيا حيث كان يدرس بعض من البحرينيين الذين تخرجوا معه من الثانوية وكانوا يكاتبونه ويشجعونه على القدوم.
وافق عبدالله الزامل أن يبعث ولده عبدالعزيز إلى بريطانيا على نفقته الخاصة لدراسة اللغة الإنجليزية أولا ثم دراسة مواد متقدمة في الرياضيات والعلوم والأحياء على أمل الالتحاق بكلية الطب. وحينما كان على وشك تقديم امتحانات القبول عام 1962 جاءته أخبار غير سارة من البحرين فعاد إليها على الفور. كانت الأخبار عن وفاة والده في هامبورغ بألمانيا التي انتقل إليها مع ابنه البكر محمد لإجراء عملية في المرارة لم تنجح بسبب مضاعفات مرض السكري.
وفاة عبدالله الزامل شكلت صدمة كبيرة لأولاده وبناته ومحبيه، بل كان من الممكن أن تؤدي إلى تفكك شركته العائلة واندثارها، خصوصا في ظل وجود ديون مستحقة عليه بسبب توسعه في شراء العقارات والأراضي ذات الأسعار المتذبذبة، ناهيك عن حقيقة كون العديد من ورثته آنذاك من القاصرين، وكان هذا يعني بموجب القوانين البحرينية أن تضع الحكومة يدها على حصص غير البالغين. لكن عاملين أنقذا الموقف وساهما في ديمومة شركة عبدالله الزامل وهما اجتماع الورثة حول الابن الأكبر محمد وتجديد ثقتهم في شخصه وحسن إدارته وقدرته على تهدئة الدائنين؛ واستجابة حاكم البحرين الأسبق الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة لرجاء خاص من عبدالله الزامل قبل سفره للعلاج في ألمانيا باستثناء ورثته من قانون أموال القاصرين وترك الأمور في يد الابن الأكبر محمد كي يتصرف فيها بمعرفته وبالتعاون مع إخوته. وحول هذا الموضوع يتذكر عبدالعزيز الزامل فيقول في كتابه: «اتخذنا قرارا منذ البداية بعدم تقسيم أي شيء وإعطاء كل فرد من العائلة راتبا شهريا، وكان هذا القرار قرارا حاسما في تحديد مستقبل نجاح مجموعة الزامل».
يشهد على هذا، البدايات التجارية المتواضعة لرب الأسرة في البحرين التي تطورت بالسهر والكفاح من دكان صغير بالمنامة إلى مجموعة سعودية عملاقة تمارس أنشطة صناعية وتجارية متنوعة في 55 بلدا، ويعمل بها نحو 10 آلاف موظف. ويشهد عليه حرص الأبناء والأحفاد على النهل من المعارف الحديثة والحصول على أعلى الشهادات من أشهر الجامعات الأجنبية. ويشهد عليه أيضا التزام الأسرة وأفرادها بأعمال الخير والبر، ناهيك عن إلزام أنفسهم بالمشاركة الفعالة في تنمية الوطن وازدهاره.
يخبرنا عبدالعزيز عبدالله الحمد الزامل وزير الصناعة والكهرباء السعودي السابق (ص 22 من كتابه «بناء صناعة البتروكيماويات في المملكة العربية السعودية.. إنجاز وطن») إن جده «حمد عبدالله الزامل» كان تاجرا ومزارعا ومن الشخصيات الاجتماعية والدينية المعروفة في عنيزة، وأنه تزوج من ابنة «علي السليم»، إحدى نساء عنيزة النبيهات الحافظات للقرآن، فأنجبت له عددا من البنين والبنات كان من بينهم ابنه البكر عبدالله (والد المؤلف) المولود سنة 1900، والذي عُرف منذ صغره بالذكاء وحب العلم والمغامرة، وهو ما قاده إلى تعلم القراءة والكتابة سريعا، بل قادته طموحاته في اكتساب الرزق والمعارف إلى الانتقال سنة 1918 إلى شرق السعودية بصحبة عدد من أصدقائه، فوصل إلى الجبيل من بعد رحلة شاقة على ظهور الإبل دامت 18 يوما وفي جيبه 40 ريالا فرنسيا فقط منحتها إياه أخته.
بعد فترة قضاها عبدالله في الجبيل والهفوف استثمر خلالها ما تبقى لديه من ريالات في تجارة المواد الغذائية والأقمشة، قرر الانتقال إلى البحرين بعدما سمع من أصدقاء له سبقوه في الهجرة من نجد إلى هناك عما تموج به البحرين من فرص تجارية وعمن يقيم بها من عائلات نجدية مرموقة. وهكذا استقل عبدالله سنة 1923 قاربا من ميناء العقير باتجاه فرضة المنامة فوصل البحرين، التي كانت وقتها مركزا نشطا للإتجار باللؤلؤ والاستيراد من الشرق والغرب وإعادة التصدير إلى الدول المجاورة، ونزل ابتداء في منزل أحد تجار البحرين النجديين (عبدالعزيز العلي البسام). وسرعان ما تمكن من التأقلم مع أجواء البحرين الاجتماعية الغريبة عليه، كما استطاع سريعا بناء علاقات صداقة وعمل مع رموز العائلات التجارية الكبيرة في البحرين آنذاك مثل القصيبي والبسام والذكير والقاضي والروق والخنيني والسحيمي والعجاجي والسويلم وكانو والمؤيد والزياني والمحمود والكوهجي وغيرهم، علاوة على صلات ود وتعارف مع الشيوخ من آل خليفة الكرام، فأضاف الرجل بذلك أسماء جديدة إلى دائرة علاقاته وصلاته مع الأمراء من آل سعود وآل جلوي، وتجار الأحساء ودبي وقطر. يخبرنا بشار الحادي (ص 282 من الجزء الثالث من كتابه «أعيان البحرين في القرن 14 الهجري») أن عبدالله مارس في البحرين تجارة المواد الغذائية، وتجارة الملابس كالغتر وغيرها حيث كان يسافر بنفسه إلى بلاد الشام لاستيرادها بالجملة ثم توزيعها على صغار تجار البحرين. كما يخبرنا في ص 283 عن ظروف شراكته مع التاجر النجدي حمد سليمان الروق، وكيف أنهما قررا الانفصال بعد سنوات بسبب اختلاف فلسفتهما وطباعهما لجهة الإسراع أو التروي في اقتناص الفرص التجارية. إذ بدأ عبدالله في حدود عام 1930 مشروعه الخاص في استيراد وبيع الشاي والأرز والقمح من الهند والعراق والملابس من سورية. كما تطرق الحادي بإسهاب إلى الأنشطة التي انخرط بها عبدالله في البحرين والسعودية. فذكر أنه دخل المجال العقاري عبر شراء قطع من الأراضي بالقرب من باب البحرين وبناء دكاكين عليها للتأجير، ثم عبر ترميم العقارات القديمة لصالح بلدية المنامة أو لصالح دائرة الأوقاف مقابل الانتفاع بها لمدة زمنية محددة؛ وأنه نشط في الارتقاء بالعمل التجاري في البحرين عبر المشاركة في أنشطة غرفة تجارة وصناعة البحرين التي نال عضويتها سنة 1949. إلى ذلك كان عبدالله دائم المشاركة في التبرعات التي تستهدف العمل الوطني. فقد تبرع لمشروع تجديد مبنى نادي البحرين الثقافي والرياضي بالمحرق، ودعم بالمال حملة في عام 1939 لصالح أيتام وأرامل فلسطين، وتبرع للحركة الأدبية الثقافية من خلال رصد مبلغ لصالح إنجاز مسرحيتي «أبو عبدالله الصغير» و«كليوباترا» في 1943، وساهم بمبلغ 100 ألف روبية في حملة جمع المال لشراء طائرة مقاتلة لصالح الحلفاء في 1943 بُعيد غارات الطائرات الإيطالية على مصافي النفط البحرينية في 1940. وعلى المنوال نفسه كان عبدالله سخيا في التبرع لأهل عنيزة، إذ تبرع بملايين الريالات للمشاريع الخيرية والإنسانية والتعليمية فيها. يقول عبدالعزيز عبدالله الزامل (ص 27 من كتابه المشار اليه) أن والده فضل الاستقرار في البحرين بسبب الإمكانات التي توفرها للحياة العائلية والتعليم والتجارة، لكن ذلك لم يمنعه من التردد المستمر على السعودية. فعلى سبيل المثال تحمس عبدالله للاستثمار مبكرا في وطنه الأم، وتحديدا بعيد تدفق النفط وقيام الدولة السعودية بهياكلها الإدارية الحديثة. وفي هذا السياق كتب عبدالعزيز في ص 33 من كتابه: «عام 1953 استورد والدي حمولة حديد للبناء، غير مدرك أنه في حاجة إلى معالجتها، وكانت الحمولة ضخمة، وهو ما كلفه أموالا طائلة، ولم يكن بمقدوره أن يبيعها كما كانت؛ لذلك استورد الأدوات اللازمة لتجهيز القضبان ومعالجتها فاقحمته هذه التجربة في مجال جديد عن طريق المصادفة، وانتهى به الأمر إلى بناء أول مصنع لتعديل الصلب وقصه في المملكة».
لم يكن هذا هو الاستثمار الوحيد لعبدالله الزامل في وطنه. إذ أدرك بحدسه مبكرا حاجة مدن النفط الجديدة في المنطقة الشرقية إلى المباني العالية الحديثة المكونة من شقق ومكاتب، وهي تزدهر وتتوسع بفضل مداخيل النفط ومشاريع شركة أرامكو، فأقدم على مغامرة جديدة تمثلت في الاستحواذ على قطعة أرض كبيرة في موقع إستراتيجي بمدينة الخبر. وفوق هذه الأرض انتهى سنة 1959 من إقامة عمارة بسبعة طوابق و48 شقة كانت آنذاك من أكبر عمارات المدينة وأعلاها.
تجارة آمنت بـ«العلم» سبيلاً إلى النجاح
لم يتخل عبدالعزيز عن فكرة دراسة الطب، فذهب لاحقا إلى الولايات المتحدة على نفقة الدولة، إذ وصل إليها سنة 1963 للالتحاق بجامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجليس. وكانت دراسته التمهيدية في بريطانيا وإجادته للغة الإنجليزية عاملين مساعدين في قبوله، لكنه أدرك أن عليه قضاء سنوات عدة جامعية تمهيدية قبل دراسة الطب وسنوات عدة أخرى بعد دخول الكلية ومثلها في التدريب بالمستشفيات. هنا فقط تخلى الرجل عن حلمه في أن يصبح طبيبا واتجه إلى دراسة تخصص جديد كانت بلاده في حاجة إليه، وهي تسابق الزمن في التطور والتصنيع والتنمية. ولم يكن التخصص الجديد سوى «الهندسة الصناعية» التي أنهاها في أربع سنوات وألحقها بنيل درجة الماجستير أيضا. يقول عبدالعزيز عن هذه المرحلة المفصلية في حياته إنه كان يسكن في السكن الطلابي التابع لجامعته، وحينما جاء أخوه حمد في عام 1964 إلى كاليفورنيا للحصول على بكالوريوس إدارة الأعمال من الجامعة نفسها انتقلا للسكن في شقة صغيرة، ثم انتقل الأخوان إلى شقة أكبر حينما وصل الأخ الثالث عبدالرحمن إلى كاليفورنيا قادما من القاهرة للحصول على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية، فإلى شقة أكبر مساحة في أعقاب وصول الأخ الرابع أحمد لنيل بكالوريوس إدارة الأعمال من كلية سان خوزيه بكاليفورنيا، فإلى منزل مدهون باللون الأبيض فأطلقوا عليه «البيت الأبيض»، وذلك حينما التحق بهم أخ خامس.
لقد كانت تجربة عبدالعزيز، وكذا إخوانه، في الولايات المتحدة تجربة ثرية ساعدتهم فيما بعد على اقتحام ميادين الأعمال العامة والخاصة بثقة وخبرة مستمدة من الحياة الأمريكية الرحبة المنفتحة، ومن التفاعل مع جنسيات أجنبية كثيرة في رحاب الجامعة، ومن الأنشطة اللامنهجية في الجامعة (المشاركة في أنشطة رابطة الطلاب العرب والفرق الرياضية المتنوعة مثلا).
ويكفي المرء، كي يقتنع بذلك، أن يطلع على سير الأخوة من آل زامل (أبناء عبدالله الحمد الزامل) الذين بسبب تجمعهم مع أبناء عمومتهم في الولايات المتحدة قيل في وقت من الأوقات «إن في أمريكا ثلاث أقليات هي: الزنوج والهنود والزامل». فبعيدا عن الأخ الأكبر محمد (توفي بألمانيا في 2009) الذي ضحى بالتحصيل الجامعي من أجل مساعدة والده في أعماله ومساعدة إخوته في إكمال تعليمهم، فأوصل شركة عائلته إلى مكانة عالمية ولمع اسمه في دنيا المال والأعمال كرئيس لمجلس إدارة مجموعة شركات الزامل، وعضو في مجلس إدارة بنكي انفستكورب وآركابيتا، وعضو في مجلس إدارة الشركة السعودية للأسمنت، وحاصل على وسام الشيخ عيسى بن سلمان لعام 2001 تقديرا لمساهماته في الاقتصاد البحريني، هناك:
1 ـ عبدالرحمن الزامل: حاصل على بكالوريوس القانون من جامعة القاهرة ودكتوراه العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا (USC). عمل أستاذا مساعدا بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ومحافظا للمؤسسة العامة للكهرباء، ووكيلا لوزارة التجارة (لمدة 15 سنة)، وعضوا في مجلس الشورى السعودي. تولى مناصب منها: رئيس مجلس إدارة شركة الزامل للاستثمار الصناعي ومجموعة الزامل وشركة الصحراء للبتروكيماويات، رئيس مركز تنمية الصادرات السعودية، نائب أول لرئيس اتحاد غرف مجلس التعاون.
2 ـ حمد الزامل: حاصل على بكالوريوس إدارة الأعمال من USC ودرجة الماجستير في الصحة العامة من جامعة بيروت الأمريكية، علاوة على الدكتوراه الفخرية من إيطاليا. شغل مناصب منها: رئيس مجلس الغرف السعودية وغرفة تجارة وصناعة المنطقة الشرقية، مدير مستشفى الدمام المركزي، عضو مجلس إدارة البنك السعودي البحريني، وشركة تهامة للإعلان، والمؤسسة العامة للخطوط السعودية.
3 ـ عبدالعزيز الزامل: حاصل على بكالوريوس ومجاستير الهندسة الصناعية من USC ووسام الملك عبدالعزيز. تولى مناصب منها: نائب رئيس مجلس إدارة شركة سابك وعضوها المنتدب، وزير الصناعة والكهرباء، رئيس مجلس إدارة مصرف الإنماء، عضو مجلس إدارة شركة ألمنيوم البحرين.
4 ـ زامل الزامل: حاصل على بكالوريوس الهندسة من USC وماجستير هندسة البترول من جامعة غرب فرجينيا WVU، تولى مناصب منها: رئيس شركة الزامل للصيانة والتشغيل المحدودة، عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية للمنطقة الشرقية.
5 ـ أحمد الزامل: حاصل على بكالوريوس إدارة الأعمال من كلية سان خوزيه. تولى مناصب منها: رئيس مصنع الزامل للمكيفات، رئيس مجلس إدارة شركة بطاقات البلاستيك المحدودة، رئيس نادي القادسية بالخبر، عضو مجلس إدارة بنك الخليج الدولي.
6 ـ سليمان الزامل: حاصل على بكالوريوس إدارة الأعمال من الولايات المتحدة. شغل مناصب منها: عضو مجلس إدارة شركة الزامل للحديد (فرع مصر)، رئيس مصنع الزامل للسلالم وشركة الخليج العربي للإنشاءات المحدودة، رئيس مجلس إدارة غرفة المنطقة الشرقية.
7 ـ خالد الزامل: حاصل على بكالوريوس الهندسة المدنية من USC. شغل مناصب منها: رئيس مجلس إدارة شركة الشرق الأوسط للبطاريات، عضو مجلس إدارة دار اليوم للصحافة والنشر، عضو مجلس إدارة بنك آسيا الإسلامي بسنغافورة، مسؤول التخطيط الإستراتيجي وتطوير الأعمال في مجموعة الزامل.
8 ـ فهد الزامل: حاصل على بكالوريوس إدارة الأعمال الصناعية من WVU. شغل مناصب منها: رئيس شركة الزامل للصناعات الغذائية المحدودة، العضو المنتدب بشركة الصحراء للبتروكيماويات، مدير وعضو مجلس إدارة الشركة الوطنية للطاقة.
9 ـ أديب الزامل: حاصل على بكالوريوس إدارة الأعمال من جامعة بورتلاند الأمريكية. تولى مناصب منها: عضو مجلس إدارة بنك البلاد ومجلس إدارة الشركة المتحدة لصناعة الكرتون المحدودة، رئيس مجلس إدارة شركة جدوى للاستثمار.
10 ـ وليد الزامل: حاصل على بكالوريوس إدارة الأعمال من WVU. تولى مناصب منها: عضو مجلس إدارة الزامل للسفريات، رئيس شركة الزامل للطلاء الصناعي، عضو مجلس مؤسسي الجامعة الملكية للبنات بالبحرين، رئيس مجلس إدارة مركز المحرق للرعاية الإجتماعية.
11 ـ توفيق الزامل: حاصل على بكالوريوس الآداب من WVU. تولى مناصب منها: رئيس مجلس إدارة شركة موريس الشرق للرافعات، المدير التنفيذي لشركة الزامل للبلاستيك.
كيف صمدت تجارة عبدالله بعد وفاته؟
عهد عبدالله إلى ابنه البكر محمد بالكثير من مسؤوليات الشركة العائلية التي أنشأها. إذ أراده ساعدا أيمن له في أعماله في البحرين والسعودية، خصوصا أن عبدالله كان في الستين من عمره ويعاني مشكلات في كليتيه. لذا طلب منه أن يتخلى عن فكرة إتمام تعليمه الجامعي كي يبقى معه ويتعلم أصول التجارة والمحاسبة والمالية. وهكذا انتقل محمد عبدالله الزامل إلى الخبر لإدارة مشاريع أبيه الاستثمارية، فيما كان إخوانه الأصغر سنا بقليل يستعدون لإكمال تعليمهم الجامعي بتشجيع من والدهم الذي كان يدرك أهمية التعليم وضرورته للمستقبل. فمثلا عبدالعزيز عبدالله الزامل (الوزير لاحقا) درس الثانوية في البحرين وكان زميلا للدكتور غازي القصيبي ووزير الإعلام البحريني السابق طارق المؤيد والمفكر الدكتور محمد جابر الأنصاري. وبعد تخرجه درس السنة المؤهلة لدخول الجامعة في الكويت، ثم سافر مع أخيه عبدالرحمن سنة 1959 إلى القاهرة للالتحاق بجامعتها الشهيرة. وعلى حين حصل عبدالرحمن على القبول في كلية الحقوق، لم يحصل عبدالعزيز على القبول في كلية الطب بسبب معدله التراكمي. هنا خيرته الجامعة المصرية ما بين دراسة الزراعة أو إدارة الأعمال، فقبل الأخيرة على مضض، لكنه بعد مرور بضعة أشهر، قرر عدم الاستمرار، والذهاب إلى بريطانيا حيث كان يدرس بعض من البحرينيين الذين تخرجوا معه من الثانوية وكانوا يكاتبونه ويشجعونه على القدوم.
وافق عبدالله الزامل أن يبعث ولده عبدالعزيز إلى بريطانيا على نفقته الخاصة لدراسة اللغة الإنجليزية أولا ثم دراسة مواد متقدمة في الرياضيات والعلوم والأحياء على أمل الالتحاق بكلية الطب. وحينما كان على وشك تقديم امتحانات القبول عام 1962 جاءته أخبار غير سارة من البحرين فعاد إليها على الفور. كانت الأخبار عن وفاة والده في هامبورغ بألمانيا التي انتقل إليها مع ابنه البكر محمد لإجراء عملية في المرارة لم تنجح بسبب مضاعفات مرض السكري.
وفاة عبدالله الزامل شكلت صدمة كبيرة لأولاده وبناته ومحبيه، بل كان من الممكن أن تؤدي إلى تفكك شركته العائلة واندثارها، خصوصا في ظل وجود ديون مستحقة عليه بسبب توسعه في شراء العقارات والأراضي ذات الأسعار المتذبذبة، ناهيك عن حقيقة كون العديد من ورثته آنذاك من القاصرين، وكان هذا يعني بموجب القوانين البحرينية أن تضع الحكومة يدها على حصص غير البالغين. لكن عاملين أنقذا الموقف وساهما في ديمومة شركة عبدالله الزامل وهما اجتماع الورثة حول الابن الأكبر محمد وتجديد ثقتهم في شخصه وحسن إدارته وقدرته على تهدئة الدائنين؛ واستجابة حاكم البحرين الأسبق الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة لرجاء خاص من عبدالله الزامل قبل سفره للعلاج في ألمانيا باستثناء ورثته من قانون أموال القاصرين وترك الأمور في يد الابن الأكبر محمد كي يتصرف فيها بمعرفته وبالتعاون مع إخوته. وحول هذا الموضوع يتذكر عبدالعزيز الزامل فيقول في كتابه: «اتخذنا قرارا منذ البداية بعدم تقسيم أي شيء وإعطاء كل فرد من العائلة راتبا شهريا، وكان هذا القرار قرارا حاسما في تحديد مستقبل نجاح مجموعة الزامل».